“بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
نلتقي بكم في هذا اليوم؛ لنفتتح بعونه تعالى وتوفيقه، دور الانعقاد السنوي الأول للدورة (الثامنة) لمجلس عُمان، مستهلين لقاءنا هذا بحمد الله جل في علاه والثناء عليه، وهو أهل الثناء والحمد، على ما أنعم به على وطننا العزيز، من نعم الأمن والأمان، والاستقرار والازدهار، سائلين الله جلت قدرته، أن يفيض على وطننا بمزيدٍ من التقدم والنماء ويجعل مستقبله أكثر رقيا ورخاءً.
إننا في مستهل لقائنا، لنوجه الشكر لكافة الجهود المبذولة، والمبادرات الفاعلة لأعضاء مجلس عُمان، خلال الفترات المنصرمة، ونشيد بنضج تجربة المجلس، وتكاملها مع أجهزة الدولة المختلفة، تعزيزًا لفاعلية العمل الوطني، والذي نحرص على أن يحظى بالمزيد من الاهتمام والدعم، بما يعيننا على بلوغ المنجزات المستهدفة، في سبيل تنفيذ توجهاتنا الرامية لتحقيق الرفاهية لأبنائنا المواطنين.
وننتهز هذه المناسبة، لنرحب بأعضاء مجلس الدولة، الذين وقع عليهم اختيارنا من بين كفاءات هذا الوطن، كما نرحب بأعضاء مجلس الشورى، الذين تم اختيارهم من قبل الناخبين، وبأسلوبٍ تقني حديثٍ.
إن مجلس عُمان لشريك أساسي في منظومة الدولة، وهذه الشراكة تُلقي عليكم مسؤوليةً كبيرةً، فكونوا على قدر المسؤولية، واضعين مصلحة البلاد نصب أعينكم، مسترشدين في ذلك بمبادئ النظام الأساسي للدولة وبالقوانين المنظمة لعملكم، وما أتاحه لكم قانون مجلس عُمان من صلاحياتٍ، وإننا إذ أوليناكم ثقتنا؛ لنأمل أن يكون لأعمالكم إسهام بارز في إثراء التطور والنماء لمسيرة النهضة الظافرة.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
إن ما تحقق خلال الأعوام الأربعة الماضية من إنجازاتٍ متواصلةٍ في مسار التنمية الشاملة كان لأبناء عُمان الدور الأساسي فيه، إلى جانب جهود مختلف مؤسسات الدولة، التي عملت لتنفيذ الخطط، التي رسمنا مساراتها، وفق رؤيةٍ تهدف في المقام الأول، إلى النهوض بالقطاعات الاجتماعية، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات.
لقد تمكنت بلادنا -بعونٍ من الله وتوفيقه- من تحقيق نتائج طيبةٍ، وإنجازاتٍ مهمةٍ، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأداء المالي بالرغم من التحديات التي واجهها الاقتصاد العالمي والتي انعكست سلبًا على اقتصادنا وبرامجنا الوطنية، وقد رسمنا خططنا بشكلٍ مدروسٍ بعنايةٍ، وبأهدافٍ تلبي متطلبات الحاضر وتسعى لتحقيق النمو المستدام، من خلال إدارة مواردنا الإدارة السليمة؛ لتخفيف أعباء الدين العام، ووجهنا جزءًا من الفوائض المالية؛ لدعم القطاعات الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي.
ولقد كان لخطة الاستدامة المالية الأثر البالغ في المحافظة على المركز المالي للبلاد، ورفع كفاءة الإنفاق، كما أن البرامج الوطنية التي أطلقناها أسهمت بشكلٍ جيدٍ في دعم النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الواعدة، وإننا لنؤكد عزمنا على الاستمرار في بذل المزيد من الجهود لتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية؛ لضمان استدامة المالية العامة للدولة، آملين في الوقت ذاته أن يكون نظام الحماية الاجتماعية، الذي أطلقناه شاملًا مستهدفًا كافة فئات المجتمع؛ لينعم الجميع بالعيش الكريم، وإننا لن نتوانى عن بذل كل ما هو متاح لتحقيق ما رسمناه من أهداف وتطلعات رؤية عُمان 2040.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
إن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة أسهمت في زيادة فاعلية الأداء الحكومي وكفاءته، وقد استحدثنا أجهزةً تضمن تحسين عملية اتخاذ القرار، وقياس الأداء المؤسسي، وإننا لنحرص على متابعة ما تم إقراره من أسسٍ لتبسيط الإجراءات وانسيابها لتصبح سمةً بارزةً في الأداء الحكومي.
ولأن مرفق القضاء يعد ركنًا أساسيًا من أركان الدولة، فقد حرصنا على تطوير منظومته، وتعزيزها بالقدرات البشرية، وهو يحظى باهتمامنا، كي يؤدي دوره الحيوي المنوط به، في تحقيق العدالة الناجزة، بكفاءةٍ واقتدار.
لقد تجلت الجهود الوطنية -بفضلٍ من الله تعالى- في استمرار مسيرة تطوير قطاعات الصحة والتعليم والخدمات التي عملنا جاهدين على أن تواكب التزايد في عدد السكان، وحرصنا على تنفيذها وتقديمها وفقًا لاستراتيجياتٍ وخططٍ مدروسة وواقعية، تأخذ هذه العوامل في الحسبان، فشملت جميع المحافظات والولايات دون استثناء.
إن الاهتمام بتنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية نهج أسسنا قواعده من خلال إصدار نظام المحافظات، وقانون المجالس البلدية، استكمالًا لتنفيذ رؤيتنا للإدارة المحلية القائمة على اللامركزية، سواءً في التخطيط أو التنفيذ، ولتمكين المجتمع المحلي من إدارة شؤونه والإسهام في بناء وطنه، مؤكدين على أن دور المجالس البلدية لا يقتصر على الشأن البلدي المحلي فحسب، بل أسندت إليها اختصاصات وأدوار عديدة، موجهين أعضاء هذه المجالس لاستغلال ما أتيح لهم من ممكناتٍ، للعمل بطرقٍ مبتكرةٍ، وفكرٍ متقدمٍ تنعكس آثاره الإيجابية على سعادة المواطنين ورفاهيتهم.
وعملًا بمبدأ التدرج في سياساتنا وقراراتنا، ومتابعةً منا لما سيُثمر من نتائج مأمولةٍ من واقع تنفيذ سياسة اللامركزية في المحافظات، فإنَّنا عاقدون العزم على تقييم هذه التجربة باستمرارٍ، وتوسيع نطاقها بحيث تشمل قطاعاتٍ متعددة، ومناحي شتى، تكريسًا لدور المجتمع المحلي في التنمية والتطوير، وفي الوقت ذاته، فإنه علينا أن نولي تجربة الإدارة المحلية المزيد من الاهتمام لتمكينها من تحقيق الأهداف المنوطة بها ضمن مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
إننا إذ نرصد التحديات التي يتعرض لها المجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية؛ لنؤكد على ضرورة التصدي لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهتها وترسيخ الهوية الوطنية، والقيم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية، التي تخالف مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة، وتتعارض مع السمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
إننا إذ ننظر إلى المؤسسات التعليمية، والمراكز البحثية والمعرفية بجميع مستوياتها، على أنها أساس بنائنا العلمي والمعرفي، ومستند تقدمنا التقني والصناعي؛ لنؤكد على استمرار نهجنا الداعي إلى تمكين هذا القطاع، وربط مناهج التعليم بمتطلبات النمو الاقتصادي، وتعزيز الفرص لأبنائنا وبناتنا، متسلحين بمناهج التفكير العلمي، والانفتاح على الآفاق الرحبة للعلوم والمعارف، وموجهين طاقاتهم المعرفية والذهنية إلى الإبداع والابتكار والتطوير؛ ليصبحوا أسسًا للاستثمار الحقيقي وقادةً للتطوير الاقتصادي.
وفي ضوء أهمية التطورات العالمية المتسارعة للتقنيات المتقدمة وتطبيقاتها، ومنها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لما توفره من فرصٍ لتحسين الإنتاجية والكفاءة لمجموعةٍ واسعةٍ من القطاعات، ومن منطلق إدراكنا بأهمية تنويع مصادر الدخل القائم على أساس التقنية والمعرفة والابتكار؛ فإننا عازمون على جعل الاقتصاد الرقمي أولويةً ورافدًا للاقتصاد الوطني، كما وجهنا بضرورة إعداد برنامجٍ وطنيٍ لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها، مع الإسراع في إعداد التشريعات التي ستسهم في جعل هذه التقنيات كأحد الممكنات والمحفزات الأساسية لهذه القطاعات.
وإيمانًا منَّا بأهمية معالجة التأثيرات المتعلقة بتغير المناخ، والبحث عن مصادر للطاقة المتجددة النظيفة، وفي إطار سعي الحكومة المتواصل لتحقيق الحياد الصفري الكربوني الذي سبق أن اعتمدنا عام 2050 موعدًا للوصول إليه؛ فقد وجهنا بالعمل على تسريع إجراءات قطاع الطاقة المتجددة، ووضع الأطر القانونية، والسياسات اللازمة لنموه، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية والصناعات المحلية، والعمل على توطين هذه التقنية.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
إننا إذ نتابع بكل أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة، من عدوانٍ إسرائيلي غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لنؤكد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكدين على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، والمسارعة في إيجاد حلولٍ جذريةٍ لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبذلك يعم السلام في منطقتنا وينعم العالم أجمع بالأمن والأمان.
ونود هنا أن نؤكد على ثوابتنا السياسية المبنية على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وعلى إرساء نظامٍ عادلٍ لتبادل المنافع والمصالح، وعلى إقامة أسس الاستقرار والسلام والإسهام فيها بإيجابية.
أعضاء مجلس عُمان الكرام،،
وفي الختام، لا بُد من كلمات شكرٍ وتقديرٍ، للقطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في الدولة، على جهودها الرامية إلى إنجاح وتحقيق الأهداف والتطلعات التنموية فما كانت المحافظة على ما تم من مكتسباتٍ أن تتحقق لولا استتباب الأمن والأمان، ورسوخهما في ربوع البلاد، وما كان للأمن والأمان أن يعما البلاد من أقصاها إلى أقصاها لولا يقظة الأجهزة العسكرية والأمنية، التي تذود عن حياض الوطن، فسلام وتحية لأبنائنا المرابطين في كل جزءٍ من أجزاء هذا الوطن، يحرسون ترابه، ويصونون مكتسباته، مشيدين بدور هذه الأجهزة وجميع منتسبيها.
داعين الله عز وجل أن يسدد خطانا، وأن يلهمنا سبل الرشاد، وأن يحفظ عُمان، آمنةً مطمئنةً ينعم أبناؤها وكل مقيمٍ عليها بعميم فضائله وفيوض خيراته.
وكل عامٍ وبلادنا العزيزة وأبناؤها الأوفياء في خيرٍ ومسرةٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.