كان فجرُ الحادي عشر من يناير لعام 2020م، واحدةً من اللحظات النادرة في التاريخ العماني؛ فمع شروق شمس ذلك اليوم، كان وطنُنا العزيز على موعدٍ مع أقدارٍ جديدة تفتح صفحةً جديدة في تاريخنا المعاصر.. فرُغم الحزن المرير على الفقدان العظيم للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بعد نحو 50 عامًا من الحكم الرشيد والحكمة السامية في إدارة شؤون الدولة داخليًا وخارجيًا، إلّا أن تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لمقاليد الحكم، أشاع الطمأنينة في نفوسنا جميعا، شبابا وشيبانًا، نساء ورجالا؛ فعمّ شعور جارف بالسكينة تجاه مستقبل وطننا، وكان جلالته- أيده الله- خير خلف لخير سلف، فهو جلالة السلطان المعظم الذي توسم فيه السلطان الراحل “… من صفاتٍ وقدراتٍ تُؤهله لحمل هذه الأمانة”، فكان الأمين على مقدرات الدولة العمانية، والمؤتمن على حفظ مكتسباتها وصون منجزاتها.
أحداث ذلك اليوم بدأت بمرارة الفقد الكبير، لكن ما حدث بعده هون جزئيا من وحشة الرحيل، أحداث وقعها كان كبيرًا جدًا، عانقت آمال وطن كامل، شعب كان يترقب موعد معرفة شخص السلطان الجديد؛ مر المشهد هكذا.. في الساعات الأولى من صباح السبت الموافق 11 يناير 2020، وبُعيد سويعات قليلة من إعلان وفاة السلطان الراحل، كانت ثمة تحضيرات تجري على قدم وساق، إيذانًا بتنصيب جلالة السلطان المفدى مقاليد الحكم. ومن قلب مجلس عمان، المؤسسة الشوروية الراسخة، ورمز البناء الدستوري في وطننا، عقد مجلس العائلة الحاكمة اجتماعه، و”قرر عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للمغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم رحمه الله، وبقناعة راسخة، تثبيت من أوصى به جلالة السلطان في وصيته، إيمانًا من مجلس العائلة المالكة بالحكمة المعهودة والنظرة الواسعة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه، وعليه أوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية وفقًا للنظام الأساسي للدولة، واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به جلالة السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة.
عُقدت جلسة فتح الوصية، و”تشرف مجلس الدفاع بحضور أصحاب السمو أفراد العائلة المالكة الكريمة، شهودًا كرامًا على الإجراءات. عليه فقد نال مجلس الدفاع شرف فتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين الكرام، والإعلان بأن جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم- حفظه الله ورعاه- هو سلطان عمان”. ليؤدي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق بن تيمور- حفظه الله ورعاه- قسم اليمين. وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية لجلالة السلطان المعظم- أيده الله، فتردد صداها بين جبال عمان الشامخة، وسَمِعَ دويها الجميع.
وبتولي جلالة السلطان هيثم المعظم- نصره الله- مقاليد الحكم، انطلقت مسيرة النهضة المتجددة، لتحمل لعُمان الخير العميم، كما نثرت بذور النماء في ربوع الوطن الغالي، لتُثمر أزهارًا يانعة من المشاريع التنموية، وثمارًا طيبة من الإصلاحات في شتى القطاعات؛ ثمارٌ يعود نفعها على كل مواطن يؤمن بمقدرات هذا الوطن ويسعى لبذل الجهد من أجل تقدمه ورخاءه..
ومع انقضاء فترة الحداد على وفاة السلطان قابوس، شرع جلالة السلطان هيثم المعظم- أيده الله- في مسيرة التحديث والتطوير، انطلقت أولى خطوات النهضة المتجددة، والتي تجلت ملامحها في الخطاب السامي الذي تفضل جلالته فألقاه يوم 23 فبراير 2020، فارتسمت خارطة المستقبل نحو عمان أكثر إشراقا وتقدما.. وقد شهد هذا الخطاب تأكيد جلالته على العزم على الوصول للازدهار وتحقيق النزاهة في كافة قطاعات العمل، ومراجعة سياسات التوظيف في الحكومة لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية، وإيلاء كل الاهتمام والرعاية والدعم لتطوير إطار وطني للتشغيل، وتوجيه موارد الدولة التوجيه الأمثل لخفض المديونية وتحقيق التوازن المالي واستدامة الاقتصاد الوطني، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وغير ذلك الكثير.
لقد وعد جلالته فأوفى، فقبل أن ينقضي العام الأول من تولي جلالته مقاليد الحكم، تحققت التعهدات؛ حيث أعيد هيكلة الجهاز الإداري للدولة، مع تشكيل مجلس وزراء جديد، شهد دمج وزارات وإلغاء أخرى، فضلا عن استحداث هيئات وأجهزة، وإلغاء أو دمج أخريات. ومما يؤكد على تحقق الرؤية السامية الحكيمة في تنفيذ حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، أن مجلس الوزراء الموقر في تشكيلته الجديدة، ضم خبرات أكاديمية ومهنية محترفة، كما استعان بذوي الكفاءة والحنكة في تسيير شؤون الوزارات، ووضع الخطط الاستراتيجية وبرامج التطوير والتحديث لكل قطاع.
وفي غضون 12 شهرا، وقبل إتمام العام الأول، أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- 136 مرسوما سلطانيا، تضمنت سن تشريعات وإصدار قوانين جديدة، فضلا عن تعيينات في مختلف المناصب بالدولة، والتصديق على اتفاقيات، وغير ذلك.
وكان يوم 18 أغسطس 2020، يوما مفصليا في مسيرة النهضة المتجددة، وأحد أبرز أيام العام الأول من الحكم الرشيد لجلالة السلطان المفدى، فقد صدر في ذلك اليوم 28 مرسوما سلطانيا ساميا، دفعة واحدة، ووُصف ذلك اليوم باليوم التاريخي لما تضمنه من إعادة هيكلة للجهاز الإداري للدولة بشمولية غير مسبوقة، مهدت الطريق نحو كيان حكومي جديد أكثر مرونة، وأفضل أداءً، يضم بين مؤسساته كفاءات وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.
وفي 3 مارس 2020، تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- فترأس أول اجتماع لمجلس الوزراء الموقر، والذي شهد التأكيد السامي على مواصلة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتطويره بما يتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة، علاوة على مراجعة الأنظمة والقوانين وتحديثها بما تقتضيه الحاجة، فضلا عن دراسة الآليات المناسبة لتطوير التعليم وتجويد مخرجاته وتفعيل دور البحث العلمي والابتكار. ومما تميز به هذا الاجتماع أنه شهد صدور التوجيهات السامية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء صندوق الأمان الوظيفي وإعداد نظامه وآليات عمله، وتمويله بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني من لدن جلالته كبداية لتأسيسه.
ومثل تاريخ 10 مارس 2020، يومًا مفصليًا في جهود السلطنة لمكافحة فيروس كورونا “كوفيد-19″؛ حيث تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- وأصدر أوامره السامية بتشكيل اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس، وذلك في توجه حظي بإشادة الجميع محليا وخارجيا، وقد ترأس جلالته اجتماعات لهذه اللجنة، في إطار الحرص السامي والمتابعة الحثيثة من لدن لجلالته لأعمالها، في إطار تكثيف الجهود الرامية لاحتواء الأزمة وما ينتج عنها من تداعيات، سواء كانت صحية أم اقتصادية أم اجتماعية.
وخلال السنة الأولى من حكم جلالة السلطان المفدى- نصره الله- شهدت عُمان متغيرات عدة وجهود نوعية لتطوير العمل الوطني، والدفع به نحو مسارات أكثر تقدما، بما يخدم الأهداف الطموحة والتطلعات المشروعة لوطننا الغالي العزيز..
إن ما تحقق من منجزات في أولى سنوات النهضة المتجددة، ليؤكد المستقبل المشرق الذي ينتظر عُمان، وهو ما يلتمسه المواطن في شتى المجالات، علاوة على ما يبرهنه ذلك من حرص سلطاني سامٍ لتوفير المعيشة الكريمة لكل مواطن يحيا على تراب هذا الوطن العزيز، فهنيئًا لنا سلطاننا المفدى، ومباركٌ لوطننا قائد هُمامٍ فذ، تولى مقاليد الحكم في ظل ظروف ومتغيرات غير مسبوقة، لكنه نجح بكفاءة واقتدار في تجاوز التحديات وتذليلها؛ بل تحويلها إلى فرص لبناء المستقبل الذي يطمح له كل عماني وعمانية. لنبدأ العام الثاني من نهضتنا المتجددة بآمال كبار، تعانق شموخ وطننا وعزته، وتلامس تطلعات مواطنيه، ليكون الغد أفضل وأجمل في ظل قيادة حكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق-حفظه الله-.