القاهرة- حاولت القيادة العُمانية قطع الطريق على توقعات سياسية قالت إن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى القاهرة يومي الأحد والاثنين، ستحمل جديدا بشأن ما تردد من معلومات حول حوار مصري – إيراني سري جرت منه عدة جولات في بغداد، من خلال التركيز على الجانب الاقتصادي للزيارة. لكن محللين يرجحون أن تكون إيران الغائب – الحاضر في المحادثات بين السلطان هيثم بن طارق والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وأكد السفير عبدالله بن ناصر الرحبي، سفيرُ سلطنة عُمان لدى مصر، في مؤتمر صحفي عقده في القاهرة الأحد أن الزيارة “تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات المشتركة وتمثل انطلاقة لمواصلة التعاون وتطويره بين البلدين”.
وتراهن الحكومة المصرية على دعم اقتصادي خليجي متعدد الوجوه، وطرقت أبواب عدة دول لجذب استثمارات كبيرة خلال الفترة الماضية، غير أنها تواجه عقبات بسبب عدم قدرتها على تقديم حوافز مغرية للمستثمرين، وهو ما حاول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي معالجته بإصدار 22 قرارا اقتصاديا أخيرا يسهل عمل المستثمرين في بلاده.
وحاول الرحبي لفت الأنظار بعيدا عن التكهنات السياسية التي راجت منذ الإعلان عن زيارة السلطان هيثم بن طارق واللقاء مع الرئيس السيسي بشأن وساطة عُمانية محتملة يمكن أن يقوم بها بين مصر وإيران، عندما شدد على البعد الاقتصادي وسعْي البلدين للدفع بالمجال الاستثماري إلى آفاق أرحب وزيادة حجم التبادل التجاري.
وسيُنظم خلال الزيارة اجتماع لمنتدى الأعمال العُماني – المصري من أجل عرض المقومات الاستثمارية المتاحة في سلطنة عُمان والتشريعات والقوانين والبُنى الأساسية الجاذبة للاستثمار ومجالاته العديدة، ومن بينها الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
ومن المنتظر التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها الداعمة للجوانب الاقتصادية، لتضاف إلى مذكرات واتفاقيات وبرامج تنفيذية ورسائل التعاون التي وُقّعت خلال زيارة الرئيس السيسي إلى مسقط في يونيو الماضي.
وزادت قيمة التبادل التجاري بين مصر وسلطنة عمان لتسجل 1.1 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل 650.8 مليون دولار في العام السابق، بنسبة زيادة قدرها 64.6 في المئة، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
وذكر مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسن هريدي أن زيارة السلطان هيثم بن طارق تأتي رداً على زيارة قام بها الرئيس السيسي إلى مسقط وجرى خلالها التوقيع على مذكرات تفاهم واتفاقيات تجارية ساهمت في مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين.
وأوضح هريدي في تصريح لـ”العرب” أن “الزيارة تناقش مسألة تطوير الاستثمارات المصرية في عُمان، وتتطرق إلى اتفاقيات التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة المتجددة والتشييد والإعمار والصناعات الدوائية، علاوة على تطوير العلاقات بين البلدين على المستوى الدبلوماسي للتعاون في حل عدد من أزمات المنطقة”.
◙ من المنتظر التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها الداعمة للجوانب الاقتصادية، لتضاف إلى مذكرات واتفاقيات وبرامج تنفيذية
ولفت إلى أن دخول سلطنة عُمان على خط الوساطة بين مصر وإيران يبقى احتمالاً قائمًا، وليس مستبعداً أن يكون ضمن الملفات المطروحة للمناقشة في القمة. غير أن الواقع يشير إلى وجود اتصالات مصرية – إيرانية ثنائية عبر مكتب رعاية المصالح في كل من طهران والقاهرة، والأقرب أن تكون اتصالات البلدين مباشرة وليس عبر وسيط.
وأبدت دوائر مصرية اقتناعها بأن إيران ستظل الغائب – الحاضر في مناقشات الزعيمين بالقاهرة، لأن سياسة كليهما تميل إلى عدم التسرع في التطرق علنا إلى قضايا مهمة ولم تكتمل جوانبها بعد، وملف مثل العلاقات بين القاهرة وطهران يحتاج إلى صبر جميل وجهود حثيثة، سواء من مسقط أو من غيرها، لأن ما يحيط به من إشكاليات وتقاطعات إقليمية ودولية في حاجة إلى معالجات متأنية.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عماد جاد إن تحركات سلطان عمان الخارجية قليلة، وتشي زيارته إلى القاهرة بوجود ملفات مهمة في حاجة إلى تباحث عاجل بشأنها، على رأسها ملف التقارب المصري – الإيراني الذي يمكن أن تلعب فيه مسقط دوراً مهمًا في ترتيب اتصالات بين الطرفين وإمكانية العمل على تطويرها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن أجواء استعادة تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران “ليست ممهدة بالشكل الكافي” في الوقت الراهن، ويركز الدور العماني على تهيئتها بطريقة تؤدي إلى إحداث تقارب سياسي، ما يدعم فكرة أن تكون عُمان ركيزة أساسية في أي تفاهمات منتظرة، خاصة أن القاهرة ترتاح للدبلوماسية العُمانية التي تتسم بالهدوء والابتعاد عن النزاعات، وأسهمت في تهدئة صراعات متعددة في المنطقة.
وأكد عماد جاد أن علاقات القاهرة ودول الخليج لا تمر عبر مسقط وأن الثقل العُماني يبدو أكثر ظهوراً في العلاقات العربية – الإيرانية، وليس العربية – الخليجية، مشيراً إلى أن المواقف المحايدة التي تتبناها السلطنة وعدم توتر علاقاتها مع مصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل يجعلان هناك فرصة للتنسيق الدبلوماسي بين البلدين في ملفات مختلفة بالمنطقة يمكن أن تحتاج إلى وساطات عربية.
ولم تستبعد دوائر مصرية، توقفت عند زيارة السلطان بن هيثم، التطرق إلى ملف العلاقات مع إيران باستفاضة، خاصة أن المؤتمر الصحفي الذي عقده سفير سلطنة عمان في القاهرة بدا مثيرا للانتباه في تركيزه على البعد الاقتصادي والآفاق الاستثمارية الواعدة بين البلدين، في حين أن مسقط غير معروف عنها الاستثمار السخي في مصر مقارنة بدول خليجية أخرى، والقاهرة لا تملك من الموارد ما يمكنها من ضخ استثمارات في سلطنة عمان عندما تحدث سفيرها عن بنية أساسية قوية فيها.