سيظلُّ الثَّامن والعشرون من نوفمبر 2024 تاريخًا محفورًا في التَّاريخ العُماني التُّركي، بزيارة «دَولة» لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم لجمهوريَّة تركيا والَّتي جسَّدت عُمق العلاقات الطيِّبة والتَّاريخيَّة بَيْنَ البلدَيْنِ الصَّديقَيْنِ والَّتي ترجع لعام 1824 عِندَما نظَّم الوالي العثماني محمد علي باشا حفل استقبال للسُّلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي خلال زيارته لأداء مناسك الحج وتمَّ خلالها تعزيز العلاقات الاقتصاديَّة بَيْنَ الامبراطوريتَيْنِ العُمانيَّة والعثمانيَّة في لقاء بمكَّة المُكرَّمة.
واليوم وبعد (55) عامًا من العلاقات الدبلوماسيَّة وتاريخ يمتدُّ لأكثر من ثلاثة قرون نُظِّم لجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم استقبال كبير في العاصمة التُّركية أنقرة، وهو ما يجسِّد هذه العلاقة الحميمة. فالزِّيارة تفتح صفحةً جديدة من العلاقات بَيْنَ مسقط وأنقرة، وبدايةَ عهدٍ جديد مقرون بالإنجازات في قادم الأيَّام والسِّنين، فجلالة السُّلطان هيثم والرَّئيس أردوغان يُعِيدان رسم خريطة المستقبل بَيْنَ الامبراطوريتَيْنِ العُمانيَّة والعثمانيَّة حيث شهدَا توقيع عشر اتفاقيَّات ومذكّرات ستنقل العلاقات بَيْنَهما لآفاقٍ أرحبَ لكَونِ البلدَيْنِ يملكان إرثًا تاريخيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا قويًّا على مرِّ العصور.
فتركيا تُعَدُّ دولة محوريَّة في علاقاتها مع العالَم العربي وتبقى لاعبًا مُهمًّا في مختلف القضايا القائمة في منطقة الشَّرق الأوسط، لذا فإنَّ البلدَيْنِ يتطلعان إلى إقامة علاقات وثيقة في مختلف الجوانب بما في ذلك الاستثمار والاقتصاد، ورفع حجم التَّبادل التِّجاري لِيصلَ لحوالي (5) مليارات دولار كما ذكَر الرَّئيس رجب طيب أردوغان الَّذي بدأ في نقلِ تركيا إلى مئويَّتها الثَّانية كجمهوريَّة بعد انتخابات مفصليَّة في تاريخ تركيا الحديث.
فاليوم مسقط وأنقرة، تعيشان عهدًا جديدًا، عهد السُّلطان هيثم ورؤيته لمستقبلِ البلاد داخليًّا وخارجيًّا، وأردوغان بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة، لذا فإنَّ الزِّيارة ستُضيف لَبِنة أخرى في صرح العلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ الشَّقيقَيْنِ وتُعزِّز من خلال الشَّراكات في مختلف المجالات الواعدة.
وهناك أيضًا تطابقٌ تامٌّ في رؤية البلدَيْنِ للعديد من القضايا والملفات الملتهبة في المنطقة والعالَم، وأثبتتِ الأحداث أنَّ مسقط وأنقرة تقفانِ صمامَ أمانٍ حيال كُلِّ الأزمات. واليوم نحن في سلطنة عُمان نعتزُّ بهذه العلاقة الَّتي تربطنا بالأصدقاء في تركيا، والَّتي تجاوزت الأُطُر الدبلوماسيَّة التَّقليديَّة بَيْنَ الدوَل، لِتصبحَ علاقات أخويَّة طيِّبة تتماشى مع العلاقات المُتجذِّرة التَّاريخيَّة، وهذا ما لمسناه من كلمتَي الزَّعيمَيْنِ وجلسة المباحثات الَّتي استعرضتْ علاقات التَّعاون بَيْنَ البلدَيْنِ وسُبل تعزيزها، خصوصًا في مجالَي الاقتصاد والاستثمار.
كُلُّنا نعلَمُ أنَّ العلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ شهدت تطوُّرًا ملحوظًا في مختلف المجالات خلال السَّنوات القليلة الماضية، لا سِيَّما في المجال الاقتصادي والاستثماري والثَّقافي، وعزَّز البَلدانِ هذه العلاقات المتميِّزة بتوقيع العديد من الاتفاقيَّات الثنائيَّة ومذكّرات التَفاهم الَّتي ستفتح آفاقًا جديدة للشَّراكة العُمانيَّة التُّركية، بما يُحقِّق المصالح المشتركة للبلدَيْنِ.
إنَّ هذه الزِّيارة تؤكِّد ـ بما لا يدعُ مجالًا للشَّك ـ أنَّ مستقبلَ العلاقاتِ بَيْنَ البلدَيْنِ سينتقل للأمام بعد هذه الزِّيارة الموفَّقة، وما ستتبعها من زيارات بَيْنَ مسؤولي البلدَيْنِ ستعمل على تعزيز التَّكامل بَيْنَ البلدَيْنِ بما يخدم مصالحهما المشتركة.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
https://alwatan.om/article/15778/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7