تحتفلُ السلطنة، يوم الأربعاء، الثامن عشر من نوفمبر، بالذكرى الخمسين لنهضتها المباركة، وأبناؤها المخلصون يواصلون بكل عزمٍ وتفانٍ تحقيق المزيد من الإنجازات تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أخذ على عاتقه -أيّده الله- مواصلة مسيرة البناء والتقدم على مستوى الانسان العُماني والوطن في نهضة متجدّدة طموحة تشمل مختلف مناحي الحياة.
وتحلُّ هذه الذكرى الوطنية الغالية هذا العام والعُمانيون يستذكرون فقيد وطنهم وباعث نهضتهم السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- الذي أسس دولة حديثة تواصل حضورها الذي لا تخطئه عين في مختلف الميادين. ورغم المصاب الجلل الذي ألمَّ بالوطن والأمتين العربية والإسلامية إثر رحيل السلطان قابوس -رحمه الله- إلا أنَّ يوم الحادي عشر من يناير من العام الحالي 2020 كان يومًا خالدًا من أيام عُمان سطّر فيه العُمانيون ملحمة وطنية من الوفاء والإخلاص؛ إذ شهدت السلطنة خلاله انتقالًا سلسًا للحكم عندما قرر مجلس العائلة المالكة عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للسلطان الراحل وبقناعة راسخة تثبيت من أشار إليه السلطان الراحل لولاية الحكم، إيمانًا منهم بحكمته المعهودة ونظرته الواسعة. وتنفيذًا لهذه الرغبة أوكل مجلس الدفاع القيام بفتح الرسالة التي أشار فيها -طيب الله ثراه- إلى تثبيت حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيده الله- سلطانًا للبلاد “لما توسم فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة”.
وداع مؤلم
وودع العُمانيون أعز الرجال وأنقاهم -طيب الله ثراه- “وشيعوه بالابتهال والدعاء والامتنان والعرفان واستعراض إنجازاته العظيمة ومآثره الخالدة”، بعد مسيرة طويلة من البناء والعطاء دامت لأكثر من 49 عامًا كان فيها الإنسان العُماني هو محور التنمية وأساسها.
وتمكّن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- خلال الأشهر العشرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد من تحقيق العديد من المنجزات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين في مختلف المجالات توجت بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتتواكب مع “رؤية عُمان 2040” التي شارك في رسم ملامحها جميع فئات المجتمع بما يلبي تطلعات جلالته -أيده الله- إذ أسهم المشاركون في تحديد توجهاتها وأهدافها المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمستقبل أكثر ازدهارًا ونماءً.
وشكل المرسوم السلطاني رقم 75/2020 في شأن الجهاز الإداري للدولة نقلة جديدة في ممارسة وتنظيم العمل الإداري في السلطنة؛ إذ إنَّه سيسهم في تبسيط الإجراءات والانتفاع من الخدمات المقدمة وإنجازها بشكل أسرع؛ الأمر الذي يتوافق مع توجهات “رؤية عُمان 2040” التي تعد أولوية لتنمية المحافظات والمدن المستدامة وبمثابة توجه استراتيجي من خلال اتباع نهج لا مركزي نصّت عليه المادة الثانية التي تذكر أن “الجهاز الإداري يتكون من وحدات مركزية كالوزارات والأجهزة والمجالس وما في حكمها ومن وحدات لا مركزية كالهيئات والمؤسسات العامة وما في حكمها”. وسيسهم المرسوم السلطاني رقم 101/2020 المتعلق بنظام المحافظات والشؤون البلدية في تنمية متوازنة بين المحافظات واستثمار الموارد بشكل أفضل والاستفادة من المقومات السياحية والتراثية وتوفير الخدمات المطلوبة لكل محافظة، إضافة إلى إدارة مرافق البلدية. كما إن مجلس شؤون المحافظات سيعمل على التنسيق بين المحافظات في ممارسة اختصاصاتها ومتابعة المشاريع الإنمائية، إضافة لتقييم أدائها وتقدير الموازنات ومراقبة استثمار مواردها.
تواصل سلطاني دائم
من جانب آخر، مثّل لقاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بعدد من شيوخ ولايات محافظة ظفار بولاية صلالة في شهر سبتمبر الماضي تعميقًا للتواصل الدائم بين القائد وأبناء الوطن، واستمرارًا لمدرسة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- ودلالة على “حرص جلالته الدائم على الالتقاء بالمواطنين ليطلع على احتياجاتهم ومتطلبات ولاياتهم عن قرب ويستمع إلى ملاحظاتهم ومقترحاتهم بشأن الخدمات التنموية وتطويرها، وتعزيز دور الجهات الحكومية في إيصالها لمختلف أرجاء البلاد في إطار الخُطط التنموية الشاملة والمُستدامة”.
ورغم الدور الذي يقوم به “مجلس عُمان” بغرفتيه الدولة والشورى في الجانب التشريعي، إضافة لدور المجالس البلدية في الجانب التنموي، فإن هذه اللقاءات تمثل الممارسة العملية للشورى العُمانية وهي ثيمة أصيلة مستمدة من العادات والتقاليد العُمانية.
وتجلى اهتمام حكومة السلطنة منذ بواكير النهضة المباركة بصحة المواطن العُماني من خلال إنشاء المراكز الصحية والمستشفيات المتخصصة وتطوير الكادر الطبي في كافة المجالات الطبية، كما تجلى هذا الاهتمام عبر توجيهات جلالة السلطان المعظم -أعزه الله- بمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” التي بدأت منذ أواخر العام الماضي 2019 في أغلب دول العالم من خلاله تفضله -حفظه الله ورعاه- بالأمر بتشكيل لجنة عليا لبحث آلية التعامل مع هذا الفيروس والتطورات الناتجة عن انتشاره والجهود المبذولة إقليميًّا وعالميًّا؛ للتصدي له ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأن ذلك ووضع الحلول والمقترحات والتوصيات المناسبة بناء على نتائج التقييم الصحي العام.
مكافحة كورونا
ودعمًا لهذه الجهود، جاء تأسيس “الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية” و”الصندوق الخاص بدعم جهود وزارة الصحة لمكافحة فيروس كوفيد 19″ على مستوى عالٍ من الأهمية؛ إذ تفضل جلالته -أعزه الله- في إطار دعمه الشخصي لمكافحة هذه الجائحة بالتبرع بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني للصندوق المخصص لهذه الجائحة، وهو ما يؤكد على تضافر الجهود بين القائد والحكومة وأبناء الوطن والمقيمين من أجل القضاء على هذه الجائحة. كما اتخذت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19” العديد من الإجراءات للحد من انتشار هذا الفيروس.
ونظرًا لما أفرزته هذه الجائحة من آثار اقتصادية ألقت بظلالها على مختلف دول العالم، فقد تفضل جلالة السلطان المعظم -أعزه الله- فأمر بتشكيل لجنة منبثقة عن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 تتولى معالجة الآثار الاقتصادية الناتجة عنها على المستوى المحلي، وقد صدرت عنها جملة من القرارات تمثلت في حزم وتسهيلات تقدمها الحكومة لمؤسسات وشركات القطاع الخاص إضافة لبرنامج القروض الطارئة لمساعدة بعض الفئات الأكثر تضررًا من رواد ورائدات الأعمال.
القوات المسلحة
ولا غرو أنه عندما تحل ذكرى الثامن عشر من نوفمبر المجيد من كل عام لا بد من التطرق إلى الدور المحوري والبارز الذي تقوم به قوات السلطان المسلحة بمختلف أسلحتها والتعرف على ملحمة التطوير والتحديث التي حظيت بها هذا القوات خلال الخمسين عامًا من مسيرة النهضة المباركة من قبل القيادة الحكيمة.
إنَّ ذكرى الثامن عشر من نوفمبر المجيد من كل عام تعد إحدى أهم الذكريات الوطنية الراسخة في تاريخ عُمان الحديث لما لها من دلالات عميقة تشير بكل وضوح إلى التحول الحضاري الذي شهدته السلطنة منذ انطلاق النهضة المباركة التي أرسى قواعدها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- والاستمرار بكل عزم وثقة في مسيرة التطوير والتحديث بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.
وقوات السلطان المسلحة هي أحد الشواهد العظيمة لمنجزات النهضة الحديثة التي أرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- وترسّم نهجه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى- حفظه الله- الذي أكد على رعايته واهتمامه بها في خطابه السامي في 23 فبراير من العام الجاري 2020 والذي جاء فيه: “نود أن نسجل بكل فخر واعتزاز كلمة ثناء وعرفان لجميع العاملين بقواتنا المسلحة الباسلة في القطاعات العسكرية والأمنية، القائمين على حماية هذا الوطن العزيز، والذود عن حياضه، والدفاع عن مكتسباته، مؤكدين على رعايتنا لهم، واهتمامنا بهم، لتبقى هذه القطاعات الحصن الحصين، والدرع المكين في الذود عن كل شبر من تراب الوطن العزيز من أقصاه إلى أقصاه”.
وحرصت السلطنة على تكامل المنظومة العسكرية بما فيها من قوى بشرية تتمتع بكفاءة عالية وقدرات مادية ومعنوية والتي يؤدي الارتقاء بها في العدة والعتاد إلى ما يمكنها من أداء دورها الوطني المقدس ومن هذا المنطلق انتهجت السلطنة خططًا لتزويد قوات السلطان المسلحة بمعدات وأسلحة متطورة من دبابات وناقلات جُند مدرعة ومنظومات صاروخية ومدفعية وعربات مدرعة وطائرات مقاتلة ونقل وعمودية. كما زودت هذه القوات بمختلف أنواع السفن خاصة سفن الإنزال والقرويطات والزوارق المتطورة دعمًا للدور الوطني الجسيم الذي تضطلع به قوات السلطان المسلحة، إضافة إلى عمليات التطوير والتأهيل المستمرة لأسلحة الإسناد التي تمكنها من القيام بواجبها الوطني على أكمل وجه عن خطط وبرامج تأهيل القوى البشرية بما يتواكب والمكانة العلمية والتدريبية التي وصل إليها الجندي العماني الذي يتعامل مع التقنية الحديثة بكل حرفية وإتقان.
منجزات اقتصادية
أما عند الحديث عن المنجزات الاقتصادية العديدة التي تحققت في مختلف القطاعات فإن الأرقام المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي للسلطنة تشير إلى أن هذا الناتج خلال العام الماضي 2019 م بلغ 29.3 مليار ريال عماني وهو دليل على تمكن السلطنة من تنويع مصادر دخلها وتنشيط مختلف قطاعات الإنتاج الاقتصادي.
وساهمت الأنشطة غير النفطية البالغة حوالي 20.5 مليار ريال عماني بنحو 70 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية وهي أرقام تعكس مدى الاهتمام الذي أولته النهضة الحديثة التي انطلقت في 23 يوليو 1970 بقيادة باني عُمان الحديثة المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- لتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية. وبالعودة إلى الأرقام المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي، يمكن ملاحظة أنه كان عند 103.6 مليون ريال عماني في العام 1970 بداية عهد النهضة الحديثة لكنه سرعان ما سجل قفزات متتالية ليبلغ 566.2 مليون ريال عماني في العام 1974 ثم زاد بشكل متواصل ليبلغ مستوى الـ30 مليار ريال عماني في العام 2018.
وشهدت السلطنة خلال العقود الخمسة الماضية تنفيذ مشاريع اقتصادية عملاقة من أبرزها مصافي النفط في مسقط وصحار والدقم ومشروعات الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية في صحار وصور وصلالة والدقم.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي بلغت العام الماضي 3 مليارات و71.8 مليون ريال عماني مشكِلة حوالي 15 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية. كما اهتمت حكومة السلطنة بتشجيع الأنشطة التجارية والصناعية المختلفة وقدمت لها الدعم اللازم للنجاح والاستمرار. وبلغ إجمالي الناتج المحلي للأنشطة الصناعية العام الماضي 5.6 مليار ريال عماني فيما بلغ الناتج المحلي للأنشطة الخدمية التي تشمل مختلف الأنشطة التجارية 14.1 مليار ريال عماني.
وفي الوقت نفسه عملت السلطنة على تحديث القوانين والتشريعات المتعلقة باستقطاب الاستثمارات فقد صدرت العام الماضي العديد من القوانين المشجعة على الاستثمار المحلي والأجنبي من أبرزها قانون استثمار رأس المال الأجنبي الذي سعى إلى تعزيز مكانة السلطنة كوجهة استثمارية قادرة على استقطاب رأس المال الأجنبي وتعزيز تنافسية السلطنة في المؤشرات الدولية وتبسيط الإجراءات والتصاريح اللازمة لبدء استثمار أجنبي داخل السلطنة وتوسعة قطاعات الاستثمار للمستثمر الأجنبي لتشمل مشاريع استراتيجية. كما تم إصدار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدف تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية والخدمات العامة وتحسين نوعية الخدمات العامة وخفض تكاليف إنشائها وتشغيلها فيما حظيت مشروعات القطاع الخاص باهتمام أكبر من قانون التخصيص الذي يهدف إلى تنفيذ السياسات الحكومية المتعلقة بتوسيع دور القطاع الخاص في تملّك وإدارة الانشطة الاقتصادية المختلفة وتشجيع جذب الاستثمارات والخبرات والتكنولوجيا والمعرفة الحديثة.
خطة التوازن المالي
إن ظروف انخفاض أسعار النفط وتأثيرات انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” السالبة على اقتصاد دول العام جميعها ومن بينها السلطنة شكلت تحدّيًا حقيقيًّا للحكومة؛ الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ عدد من الإجراءات المهمة يأتي في طليعتها الإعلان عن “خطة التوازن المالي” متوسطة المدى (2020-2024) التي حظيت بمباركة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه. وتسعى هذه الخطة إلى تحقيق الاستدامة المالية والمحافظة على الإنجازات التي تحققت خلال العقود الخمسة الماضية والازدهار الاقتصادي الذي تنعم به البلاد من خلال تقليص حجم الدّين العام والعجز المالي وتعزيز أداء القطاعات غير النفطية وزيادة مساهمتها في الإيرادات الحكومية. وتتضمن الخطة عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى “إرساء قواعد الاستدامة المالية للسلطنة وخفض الدين العام ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو الأولويات الوطنية وزيادة الدخل الحكومي من القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاحتياطات المالية للدولة وتحسين العائد على استثمار الأصول الحكومية بما يضمن تعزيز قدرتها على مواجهة أي صعوبات وتحديات مالية وبما يضعها على مسار النمو والازدهار الاقتصادي”. وتتطلع خطة التوازن المالي إلى زيادة الإيرادات الحكومية من 6ر8 مليار ريال عماني في العام 2020 بحسب تقديرات أولية إلى 12 مليارا و95 مليون ريال عماني في عام 2024 مع الإبقاء على مستوى الإنفاق طوال سنوات الخطة عند 12.6 مليار ريال عماني وزيادة نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات من 28 بالمائة في عام 2020 إلى 35 بالمائة في عام 2024. وبلغت الإيرادات الحكومية العام الماضي حوالي 10.6 مليار ريال عماني فيما بلغ الإنفاق الحكومي 13.2 مليار ريال عماني، وشكّلت الإيرادات غير النفطية البالغة حوالي 2.6 مليار ريال عماني أو 24.5 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، فيما بلغت الإيرادات النفطية (تشمل صافي إيرادات النفط والغاز) 7 مليارات و999 مليون ريال عماني مشكلة 75.5 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية.
وتعد الاستدامة المالية أحد ممكّنات رؤية عُمان 2040 بحيث تسهم خطة التوازن المالي في استيعاب التحديات المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا وتهيئة الاقتصاد الوطني لمرحلة انطلاق جديدة تستفيد من البنى الأساسية التي تم تشييدها خلال سنوات النهضة الحديثة.
وبلغت جملة الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة لعام 2020 نحو 10 مليارات و700 مليون ريال عماني باحتسابها على أساس سعر النفط 58 دولارًا أمريكيًّا للبرميل؛ حيث قدر إجمالي الإنفاق العام 13 مليارًا و200 مليون ريال عماني بعجز تقديري يبلغ نحو 2.5 مليار ريال عماني أي بنسبة 8 بالمائة من الناتج المحلي.
وأكد جلالة السلطان المعظم -أيده الله- في خطابه التاريخي الذي ألقاه في شهر فبراير الماضي وتطرق فيه إلى عدد من ملامح المرحلة المقبلة من البناء على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية عبر قول جلالته: “وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم”؛ حيث قام جهاز الاستثمار العُماني بإعادة تشكيل مجالس إدارة 15 شركة يشرف عليها الجهاز وإعادة هيكلة شركات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، إضافة إلى الإعلان عن مشروع شركة متكاملة لتسويق الخضروات والفواكه في السلطنة تتبع الشركة العمانية للاستثمار الغذائي.
تسهيل الاستثمار
إنَّ منظومة القوانين والتسهيلات المتعلقة بالاستثمار في السلطنة أوجدت بيئة جاذبة ومشجعة للاستثمارات الوطنية والأجنبية ومن هذه القوانين قانون استثمار رأس المال الأجنبي. وتعول حكومة السلطنة على الاستثمار في الموانئ العُمانية خاصة ميناء صحار وميناء صلالة، إضافة إلى المناطق الاقتصادية الخاصة والصناعية كالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم (ميناء الدقم) في رفد الاقتصاد العماني وحفزه والاستفادة المثلى منها، كما يعد قطاع السياحة أحد القطاعات الأساسية في تعزيز النمو والتنويع الاقتصادي إذ وضعت الحكومة رؤى إستراتيجية واضحة لهذا القطاع الحيوي حيث “إن الاستثمار في السياحة كان ولا يزال يعتبر من أفضل أنواع الاستثمار ربحية”.
وأكد جلالة السلطان المعظم -أيده الله- أهمية التعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت الذي سيُجرى في شهر ديسمبر المقبل من خلال مناشدة جلالته -أبقاه الله- الجميع التعاون والتفاعل الإيجابي مع إجراءاته المطلوبة لتنفيذه وإنجازه بصورة متقنة. وستنعكس نتائج هذا التعداد إيجابًا على كافة أوجه التنمية كونه سيسهم في التخطيط المتقن للخطط التنموية.
وفي سبيل توفير سبل العيش الكريم للمواطن العُماني في ظل التطورات الاقتصادية على مستوى العالم، يعد صدور قانون نظام صندوق “الأمان الوظيفي” وتمويله بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني من لدن جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- كبداية لتأسيسه تأكيدًا للتوجيهات السامية التي تهدف إلى الإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية يضمن حماية ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي من أي تأثيرات متوقعة جراء تطبيق ما تضمنته خطة التوازن المالي متوسطة المدى.
وفيما يتصل بالتعليم في السلطنة؛ فقد أولى جلالة السلطان المعظم -أعزه الله- اهتمامًا بالغًا بقطاع التعليم وجعله في مقدمة الأولويات الوطنية، كما إنه- أيده الله- وجّه بتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار باعتباره الأساس “الذي من خلاله سيتمكن المواطن العماني من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة” كما إنه يعد ركنا أصيلا في النظام الأساسي للدولة لتقدم المجتمع بهدف “رفع المستوى الثقافي العام وتطويره وتنمية التفكير العلمي وإذكاء روح البحث”.
أما على صعيد البحث العلمي والابتكار، فيسهسم “تحديث الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040 لتتواكب مع رؤية عُمان 2040” في إيجاد مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة تركز على تحويل المعرفة إلى عائد اقتصادي ويعد إنشاء جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في شهر أغسطس الماضي التي ضُمت لها كل من كلية التربية في الرستاق وكليات العلوم التطبيقية وكلية التقنية العليا والكليات التقنية دليلا يؤكد على مواكبة التوجه نحو تشجيع البحث العلمي والابتكارات في إطار الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والتقنيات المصاحبة لها، كما أن تعديل مسمى وزارة التعليم العالي إلى مسمى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار سيعمل بدوره على تكريس أهمية هذا القطاع.
إنَّ العناية الكريمة السامية بقطاع التعليم إنما تؤكد على تأسّي جلالة السلطان المفدى -أبقاه الله- بالنطق السامي للسلطان الراحل -طيب الله ثراه: “سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر” وهي القاعدة التي انطلقت منها نهضة التعليم والبناء نحو مجد المعرفة حتى غدت صروح العلم والتعليم شامخة في كل جبل وسهل من ربوع عُمان.
ومما لا شك فيه أن التوجيهات الكريمة السامية الأخيرة بقيام ديوان البلاط السلطاني بتمويل بناء 6 مدارس ذات أولوية خلال المرحلة المقبلة بتكلفة مالية تقديرية تبلغ حوالي 8 ملايين و850 ألف ريال عماني تأتي في إطار تلمّس حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لاحتياجات قطاع التعليم في ربوع الوطن العزيز والحرص السامي على توفير البيئة الداعمة والمحفزة له ومدّه بأسباب التمكين باعتباره الأساس في بناء حاضر ومستقبل عُمان.
صون البيئة
وفي مجال الاهتمام الأصيل بالبيئة عملت السلطنة منذ بواكير النهضة المباركة على تطبيق سياسة تأمين سلامة البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على النظم البيئية المختلفة في إطار الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة وحماية الحياة الفطرية وصون الطبيعة والحفاظ على الموارد المتجددة والعمل على استغلالها بصورة مستدامة. كما عملت السلطنة ممثلة في عدد من مؤسساتها وهيئاتها البيئية المتعاقبة على تطوير آفاق البحث العلمي في المجالات البيئية وتبادل الخبرات وجمع البيانات العلمية والاستفادة منها وتأخذ على عاتقها مسؤولية نشر الوعي وغرس مفاهيم متطلبات التعامل مع البيئة لدى كافة فئات المجتمع وترسيخ مبادئ المحافظة على البيئة وموارده الطبيعية والإسهام في دعم الجهود المبذولة وفقا لأهداف التنمية المستدامة. وتتولى هيئة البيئة مهمة اقتراح القوانين والتشريعات البيئية بحسب ما تقتضيه المصلحة البيئية وتنفيذ القوانين والتشريعات المختصة بالمحميات الطبيعية والبيئة البحرية والتنوع الأحيائي وإدخال مبدأ الادارة البيئية كوسيلة أساسية لرفع كفاءة المشاريع التنموية في كافة المجالات، إلى جانب الاهتمام بالرقابة والتفتيش البيئي باعتبارهما المرصد الأساسي للتعرف على الوضع البيئي وتقييم التأثيرات البيئية واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها.
وعند الحديث عن النهضة المتجدّدة التي يقودها جلالة السلطان المعظم -أيده الله- فإنه لا بدّ من الحديث عن أفق حرية الرأي والتعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة في مادته “29”، التي تؤكد أن حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون، وهو ما أكد عليه المقام السامي -أعزه الله- أن الدولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص التي قوامها العدل وكرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة بما في ذلك حرية التعبير.
الاهتمام بالمرأة
ومن الجوانب المشرقة في عهد النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- جانب الاهتمام بالمرأة العُمانية، وتأكيد دورها الحيوي في بناء الوطن أسوة بأخيها الرجل على مختلف الأصعدة، وقد شدد عليه جلالته -أيده الله- بقوله “ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها”.
وتفضل جلالة السلطان المعظم -حفظه لله ورعاه- في أكتوبر الماضي فأنعم بوسام الإشادة السلطانية على عدد من الشخصيات النسائية العُمانية، وقامت السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم -حفظها الله ورعاها- بتسليمهن الأوسمة خلال تفضلها برعاية الاحتفال بمناسبة يوم المرأة العمانية بقصر البركة العامر الذي يصادف 17 أكتوبر من كل عام.
وعند التطرق إلى جانب الاهتمام بقطاع الشباب وأهمية هذا القطاع في بناء عُمان المتجددة، فإنه لا بد من ذكر وصف جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- لهم بأنهم “ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني”؛ إذ نوه جلالته بأهمية “تلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم”.. وما احتفال السلطنة بيوم الشباب العماني الذي يوافق 26 من أكتوبر من كل عام إلا تأكيد آخر على حرص حكومة السلطنة على تسليط الضوء على هذه الفئة من المجتمع وتسخير الإمكانات التي تسهل لهم المضي قدمًا في مسيرة البناء والتنمية. كما أكد صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب في كلمة له بمناسبة الاحتفال بيوم الشباب العُماني أن الشباب العُماني “أثبتوا أنهم على درجة عالية من المسؤولية الوطنية والوعي التام بقضاياهم المعاصرة آخذًا بأسباب الرقي والتقدم وفق رؤية واضحة وهِمّة قوية للمشاركة في بناء نهضة عُمان المتجددة منفتحين على الآخر وثقافته للتعايش معًا بمحبة وسلام”.
وفي جانب آخر، يأتي منح حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لوسام الإشادة السلطانية من الدرجة الثالثة لعدد من الإعلاميين العُمانيين، والذي قام بتسليمه لهم صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد؛ ليؤكد إيمان جلالته -أعزه الله- بدور الإعلام والإعلاميين في مسيرة النهضة العُمانية منذ انطلاقتها الأولى على يد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور وحتى الوقت الراهن، ويؤكد كذلك اهتمامه وتكريمه الشخصي -أيده الله- لعطاءاتهم الإعلامية وإسهاماتهم الطيبة التي خدمت مسيرة الإعلام العماني وحتى يواصلوا تحقيق منجزات النهضة المتجددة المنشودة.
السياسة الخارجية
أما فيما يتصل بالسياسة الخارجية العُمانية فقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في أول خطاب لجلالته على ثوابت هذه السياسة؛ وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية، كما أكد جلالته انتهاجه خُطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه.
ويقوم نهج السياسة الخارجية العُمانية في نهضتها المُتجدّدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على أسس ثابتة مستمدة من حضورها الحضاري والثقافي ومن قيم المجتمع العماني الأصيلة تلك المتمثلة في الرغبة الصادقة في إعلاء شأن الإنسانية وإرساء السلام لها وعبر انتهاجها التسامح مبدأً والاعتدال قيمة حتى أصبحت وسيطًا مقبولًا ومرحبًا به في الوسط الدولي.
لقد وعد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو يمضي بعُمان في نهضة متجدّدة وعهد يبشّر بالمزيد من الإنجازات أن سينتقل بعُمان في المرحلة المقبلة إلى مستوى الطموح في شتى المجالات بمشاركة المواطنين الدعامة الأساسية للعمل الوطني، مؤكدًا -أعزه الله- يقينه التام وثقته المطلقة بقدرات أبناء عُمان المخلصين في التعامل “مع مقتضيات هذه المرحلة والمراحل التي تليها، بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذةٍ وحكمةٍ بالغة وإصرار راسخ وتضحيات جليلة”.
كما أنَّ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أكد أن بناء الأمم وتطورها هي مسؤولية عامة يلتزم بها الجميع، ولا يُستثنى أحد من القيام بدوره فيها كل في مجاله وبقدر استطاعته؛ فقد تأسّست عُمان وترسّخ وجودها الحضاري بتضحيات أبنائها، وبذلهم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على عزتها ومنعتها وإخلاصهم في أداء واجباتهم الوطنية”.
https://alroya.om/post/272946/%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D9%85%D8%B6%D9%8A-%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%AA%D9%89-%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B7%D8%A7%D8%A1